يوميات · جودة حياة · صناعة الطقوس

الخالة أم مفرّح

اكتشفت أن التمتع بمزاج رائق ليس له علاقة لا بالمال ولا بالوقت ولا بالعمر، إنه عادة متأصلة في الشخص.

اليوم دخلت إلي المطبخ المشترك في المكتب، لأستخدم الحماصة لأحمص شطيرة الحلوم التي أحضرتها من المنزل، لأجد الخالة “أم مفرح” المسؤولة عن القهوة والشاي في المكتب، قد أعدت لنفسها كوب شفاف ساخن من الشاي بالنعناع (وتحته صحن) وكانت تنتظرنني ريثما أحمص شطيرتي، حتى تحمص شطيرتها التي كنت أراقبها وهي تعدها بتفاني حيث وضعت شريحة من الجبن الأصفر وبشرت فوقه نوع آخر من الجبن الأبيض. عندما انتهيت حمصت هي شطيرتها ثم أخذتها لتجلس على الطاولة وتشاهد مسلسها البدوي اليومي.

تعلمت عدة دروس في فن الاحتفاء بالحياة من أم مفرح، فهي امرأة بسيطة من قرية من قرى جازان، لكن يبدو لي أنها أكثر موظفة سعيدة في المكتب. ففي الصباح تأتي مبكرًا لتفتح المكتب، ثم تضع أغراضها وتبدأ في صنع القهوة للمديرة، كما أنها في بداية السنة تدور على كل مكتب لتخبرهم بأن ستكون مسرورة بإعداد ترمس صغير من القهوة السعودية لكل مكتب (ما عدا مديرات الأقسام) مقابل مبلغ رمزي شهري. وبعد أن تعد القهوة لكل مشتركة وهي تستمتع إلى إذاعة القرآن، تننزل أم مفرح للمشي كل يوم في الصباح لمدة ساعة بعد أن تلف شال دافيء على رأسها، وبعد ذلك تتصل على صديقتها الخالة “أم محمد” التي تعمل في قسم آخر لكن أرجلها لم تعد قادرة على المشي دون عكاز، فيجلسون سويًا على أحد المقاعد في البهو الخارجي ويتبادلن أطراف الحديث، ثم ترجع أم مفرح لمكتبها الصغير (طاولة طعام صغيرة جدًا في المطبخ) وتنكب على كتبها فهي أمية وقررت أن تعلم نفسها القراءة والكتابة لتقرأ القرآن.

*هذه التدوينة هي جزء من مقالة “شخصيات ملهمة من حولي” في مجلة عصرونية العدد السابع.

رأي واحد حول “الخالة أم مفرّح

  1. “تأملت كثيرًا وأنا أقرأ هذه السطور، فشخصية أم مفرح تُعلّمنا دون أن تتكلم كثيرًا. البهجة في فنجان الشاي، في شطيرة تُحضّر بمحبة، وفي جلسة مع صديقة—كلها تفاصيل بسيطة لكنها تصنع الفرق. شكرًا لأنك نبهتينا أن الفرح عادة يومية، لا إنجازًا مؤجلاً.”

    إعجاب

أضف تعليق